اهلا بك عزيزى الزائر فى موقع يلا خبر الآن نقدم لك هذا الخبر من قسم منوعات نرجو ان ينال اعجابك.. والأن مع الخبر
2020-04-19 21:05:45
اشترك لتصلك أهم الأخبار
كثيرة هى العادات والتقاليد، التى نشأت وتربت عليها بعض المجتمعات الريفية وتربت عليها أجيال عديدة، ووصلت فى بعضها إلى حد الاعتقاد، غير أن وسائل الترفيه الحديثة التى ظهرت فى نهايات القرن قبل الماضى بدءاً بالسينما ومروراً بالتليفزيون، ووصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعى، كان لها تأثير عجيب على الأجيال التى عاشت فى كنفها وتحت تأثيرها، غير أن هناك لا تزال بقية قليلة وبخاصة من المتقدمين فى العمر لايزالون متمسكين ببعض من هذه العادات الموروثة بدرجة ما، بل ومدافعين عنها ودائماً ما يرددون أن صحتهم وحياتهم كانت أفضل بفضل هذه العادات البسيطة التى توارثوها كابراً عن كابر.
فإذا نظرنا إلى العادات والتقاليد التى كانت منتشرة فى الصعيد الجوانى، فى فترة أعياد شم النسيم نجدها اختلطت بما هو دينى وما هو تاريخى موروث من الأجداد الفراعنة، لدرجة أن الاحتفالات بهذه الأعياد كانت تستمر لسبعة أيام متتالية وليس يوما أو يومين مثلما يحدث فى وقتنا الحالى، الغريب أن هذه الاحتفالات يقوم بها عامة الناس على مختلف ثقافاتهم وأعمارهم، وأجناسهم، ودياناتهم.
كانت الاحتفالات تبدأ قبل يوم شم النسيم بأسبوع كامل، وكل يوم له مسمى وطقوس مختلفة، الحاجة زينب عمر تركى، وهى سيدة قاربت على الثمانين من عمرها، وتعيش بمركز إسنا محافظة الأقصر، تبدأ كلامها قائلة، يا ولدى كانت الأيام فى بركة، وكانت الصحة العامة للناس أفضل وكنا نتداوى بأشياء بسيطة وكانت نتائجها لها مفعول السحر، فالبصل وبخاصة المشوى والثوم، ولبخة العجين والسكر، وشرب مستحلب «القرض» هو غلة شجر السنط، كانت أدوية فعالة، وفى حالات التسمم كنا نضع «قرن الخرتيت» فى مياه الشرب، فكان نعما الترياق، و«سبحة اليسر» وهى نوع من السبح كانت الشفاء للناس والحيوانات التى تعانى من التخمة وعسر الهضم وغيرها الكثير من الأعشاب الطبية، بخلاف هذه الأيام التى تعجز المدينة الحديثة من إيجاد الأدوية لبعض الأمراض.
وتقول كانت الحياة بسيطة والاهتمام بالعادات والتقاليد كانت تصل لدرجة القدسية، والفروض ولا يجرؤ أحد على تركها، فمثلاً فى أيام شم النسيم كنا نبدأ الاحتفال به قبل يوم شم النسيم بأسبوع، وكان ولا يزال يوم شم النسيم هو الإثنين الثانى من شهر برمودة من الشهور القبطية، وقبلها بأسبوع تبدأ فى الاحتفالات، وبالتحديد يوم الأحد من الأسبوع الذى يسبق أسبوع شم النسيم، فيوم الأحد هو يوم «لطيخ العدس» أو تلطيخ العدس المطهو فى «النطال» والنطال هو إناء من الفخار يشبه القدر لكنه صغير الحجم، كنا نطبخ فيه العدس غير المبشور، وفى الصباح نبدأ تلطيخه على الحوائط والأماكن التى ينتشر فيها الذباب، فيأكل منه ويموت، وبذلك نكون قد قضينا على الذباب طوال فترة الربيع والصيف ولم يبقى منه الا القليل.
وتواصل الحاجة زينب تركى حديثها قائلة، يوم الإثنين هو يوم ربيط أو تربيط «الخوص» فى هذا اليوم كان كل رب أسرة يطلع لأقرب «نخلة» ويقطع جريدة أو سعفة من قلبها، من السعفات ذات الخوص الأبيض، وكل الناس فى ذلك اليوم تقوم بعمل الخوص مثل التيجان التى توضع على الرأس والجبهة، أو أساور حول المعصمين أو «حجل» حول الرجلين، ظناً منا أن هذا الأمر يذهب أمراض العظام والصداع طوال العام.
أما يوم الثلاثاء فهو يوم تكسير البصل و«الفقوس» المعروف حاليا بالقتة أو القثاء كما ذكر فى القرآن، فكان رب كل أسرة يحضر هذه الأشياء من مساء اليوم الفائت، وفى الصباح الباكر يذهب الأب أو الزوجة إلى أقرب بئر مياه أو إلى النيل، ويحضر «جرة» مياه صابحة ثم يكسر البصل والفقوس على الركبة وباليد ويوضع فى هذه المياه لمدة ساعة ثم ترش هذه المياه على أعتاب البيت وأعتاب الغرف وفى أركان المنزل، ظناً منا أن هذه المياه تطرد الأرواح الشريرة والنكد والحسد، وتجلب السعادة والهدوء للبيت.
ويوم الأربعاء هو أربعاء «أيوب» أو يوم «سبيح أو سبوح الغبيرة» وهى نبات كان ينمو على ضفاف نهر النيل أغبر اللون، كان آباؤنا يذهبون للنيل ويحضرونه، ثم نقوم نحن بالاستحمام به ونليف به أجسامنا، وكانوا يقولون لنا إن هذا النبات هو الشافى لسيدنا أيوب من مرضه الذى أصيب به، وكانوا يحكون لنا أنه عليه السلام عندما اشتد عليه المرض وكرهه الناس من كثرة التقرحات التى بجسده، جالس يوماً مع زوجته «رحمه» حفيدة سيدنا يوسف، على مورد مياه فبعث الله له بـ«سحلية» جرباء كانت تتقلب وتتدحرج على هذه العشبة ثم تنزل تستحم فى المياه إلى أن شفيت، فقالت له زوجته المخلصة، هذه آية من آيات الله أرسلها لك فافعل كيفما تفعل وبالفعل شفى من سقمه، لذا كنا نفعل ذلك حتى لا نصاب بهذه الأمراض.
ونصل إلى يوم الخميس، تقول أم الأمير كما ينادونها فى قريتها، الخميس هو خميس العهد، كنا مسلمين ومسيحيين نحرص على أن تكون فى نهاية هذا اليوم وليمة كبيرة يجتمع فيها الأهل والأحباب حولها، وكان جيراننا الأقباط يقولون لنا إن هذا اليوم هو يوم العشاء الأخير للسيد المسيح قبل صعوده للسماء.
ونصل إلى يوم الجمعة، وهو يوم الجمعة الكبيرة أو يوم الجمعة العظيمة، لكنه بالنسبة لنا كان هو يوم «المفروكة» فى هذا اليوم تصحو النساء والفتيات مبكراً، ويقمن بعجن المفروكة ونشبها، والمفروكة هى عبارة عن فطائر أو رقاق لادن، ينشب بالنشابة، ثم يسوى فى الفرن البلدى وعقب خروجه يترك ليبرد ثم «يفرك» بالأيدى إلى أن يصبح قطعاً لذا سميت «بالمفروكة» ويضاف إليها السمن البلدى والسكر ويكون الغداء عقب صلاة الجمعة مع الترمس، وتضيف أن الحداد والحزن كان يستمر عاماً كاملاً لذا العائلات التى فى حالة حداد لا تقوم بعمل المفروكة أو البيض الملون، لذا يحرص الجيران على أن تكون كمية يتم تجهيزها ترسل لهم كهدية ومشاركة.
أما يوم السبت فهو «سبت النور» كما يطلق عليه الأقباط، فى اليوم كانت الأمهات تصحو مبكراً، لتكون حريصة على أى فرد من أسرتها يصحو قبل أن يفعل شيئا وعلى الريق يأكل بيضتين مسلوقتين، لأن هذه البيضات تعطى فى هذا اليوم مناعة وقوة للجهاز التنفسى والقصبة الهوائية والرئتين، أما بقية اليوم فكنا نهتم بتلوين البيض وتقسيمه على الأولاد وكنا نبدأ فى جمع البيض قبلها بأسبوع.
ويوم الأحد هو يوم «الفرفيطة».. فى صباح هذا اليوم كنا نقوم بذبح أكبر عدد من الطيور، وبخاصة الديوك والحمام، ونتركها تفرفط بأرجلها وأجنحتها بعد الذبح لذا نسمى هذا اليوم هو يوم الفرفيطة، وكانت كل الطيور التى تذبح تؤكل فى نفس اليوم، وبالطبع لم يكن هناك وسائل حفظ من الثلاجات مثل اليوم، وبقية اليوم نذهب للمعايدة على الإخوة الأقباط.
إلى أن نصل إلى اليوم الأخير، وهو يوم شم النسيم، فى هذا اليوم نخرج إلى الحقول وعلى ضفاف النيل ونقضى اليوم بأكمله فى الغيطان، نأكل فيه الخس والبصل الأخضر، والملوحة والفسيخ والسمك، وكنا نقوم برحلات نيلية بالفلايك، هكذا كانت حياتنا وهكذا كنا نعيش على العادات والتقاليد..
أما الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص فى الآثار الرومانية والقبطية فيقول: شم النسيم فى مصر.. حكاية تقترب من 5 آلاف عام، لم يكن شم النسيم الذى تعرفه وتحتفل به الكثير من دول العالم اليوم، إلا عيدا بدأ الاحتفال به منذ عهد المصريين القدماء منذ ما يقرب من 5 آلاف عام؛ وبالتحديد مع نهاية عصر الأسرة الثالثة أى منذ 2700 عام، وإن كان بعض المؤرخين يعتبرونه سابقا لذلك التاريخ منذ عصر ما قبل الأسرات، وإن كانت الدلائل على إثبات رأيهم لا تكفى.
وأوضح أن كلمة (شم) هى فى الأصل تحريف للكلمة المصرية القديمة (شمو) والتى تعنى «بعث الحياة»، وكأنهم كانوا فى مثل هذا اليوم يبدأون عاما جديدا، بل وكانوا يعتبرون أن بداية خلق العالم كانت فى مثل هذا اليوم. أما كلمة النسيم فقد أُضيفت مؤخرا حيث يبدأ الاحتفال به فى وقت يكون الجو قد بدأ فيه نحو الاعتدال، والنسيم فيه قد فاح، وهو يوم يتساوى فيه الليل مع النهار.
وكان الاحتفال بذلك اليوم يبدأ من ليلته، التى تسمى بـ«ليلة الرؤية» حيث يتم فيها الإعلان عن مولد الزمان. وبعد ليلة صاخبة – ربما لم يكن المصرى القديم ترى عينه فيها النوم – يستيقظ الرجل فيبدأ بإهداء زوجته زهرة اللوتس التى تدل على بعث الحياة من جديد.
ولم يكن الاحتفال بهذا اليوم، الذى يبدأ مع بزوغ الشمس وينتهى مع غروبها، لم يكن متوقفا عند أفراد الشعب بل كان يشاركهم تلك الاحتفالات الملك وكبار القوم، حيث كانوا يخرجون فى مجموعات إلى الحقول والحدائق والمتنزهات وعلى شاطئ النيل، وهم فرحى وسعداء، ومعهم طعامهم، يأكلونه متجمعين.
وأشار دقيل إلى أن من أهم تلك الأطعمة التى كانوا يصاحبونها معهم، الأسماء المملحة والأوز المشوى والبيض والخس والبصل، حيث كانت تلك الأطعمة ترمز عندهم لأشياء بعينها؛ فالبيض كان يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وكانوا ينقشون عليه أمنياتهم للسنة الجديدة ويعلقونها فى أشجار حتى تنال البركات بنور إشراق شمس ذلك اليوم فتتحقق أمنياتهم تلك. أما البصل؛ فإنه كان يمثل إرادة المصرى القِديم فى التغلب على الموت والرغبة فى الحياة. والخس ولأنه نبات لين فقد كانوا يفخرون بوجوده فى المنتزهات والحقول فى تلك المناسبة، كما كان رمزا للخصوبة. لكن الأسماك المملحة أو ما يمكن أن نطلق عليه الفسيخ الآن فقد دل على براعة المصريين واهتمامهم بالنيل وما يخرج منه، حيث تميز المصريون القدماء فى هذا الأمر.
ولم تتوقف تلك العادات والتقاليد المصاحبة للاحتفال بأعياد شم النسيم عند المصريين القدماء، بل امتدت حتى عصرنا الحالى، وإن حدثت بها بعض التغييرات. فها نحن اليوم مسلمين ومسيحيين نحتفل بتلك المناسبة.
وقد كنا فى الصعيد ولفترة قريبة نحتفل بشم النسيم لمدة أسبوع كامل، مشاركة من المسلمين لإخوانهم المسيحيين فى احتفالهم بما يسمى عندهم «أسبوع الآلام»؛ الذى كان يبدأ بيوم يسمى «أحد السعف» حيث فيه تم استقبال السيد المسيح عليه السلام، حين استقبلوه حاملين سعف النخيل. أما اليوم الذى كان يليه فكان يسمى «يوم التينة الملعونة» وفيه لعن المسيح عليه السلام تلك التينة الخادعة بزخرفتها الخارجية والفارغة من الداخل. أما يوم الثلاثاء فهو ذكرى مواجهة السيد المسيح لمجمع السنهدؤيم اليهودى وقد سُمى اليوم بيوم «حماة بطرس». ويوم الأربعاء كان ترميزا لأربعاء «يهوذا الخائن». فى حين أن الخميس يرمز لذكرى العشاء الأخير فى «خميس العهد». أما الجمعة فهى ذكرى تلك «الجمعة الزينة»، التى بدأ الحزن فيها على السيد المسيح.
وأشار دقيل إلى أنه تماشيا مع تلك الأيام وما ترمز لها، عشنا نحن فى الصعيد ذلك الأسبوع أيضا – مسلمين ومسيحيين – محتفلين معا، وإن كانت المسميات اختلفت قليلا، فيوم الأحد سميناه «يوم الملوحة» ويوم الإثنين سميناه يوم «الدقة والبصل»، أما الثلاثاء فأطلقنا عليه ثلاثاء «تكسير الفاقوس» حيث يتم كسره على الركبة، فى حين أن الأربعاء سُمى يوم «أربعاء أيوب» وكنا يومها نستحم بنبات (الغبيرة) وكنا نعتقد أن سيدنا أيوب عليه السلام قد شفى يومها، حيث يخرج الشباب إلى النيل والترع فيغتسلون بعشب الغبيرة، ومازلت أتذكر ذلك اليوم حين كنا نستعد له من قبلها حيث نقوم بتجهيز العشب ونخرج يوم الأربعاء إلى شاطئ النيل فنغتسل ونحن فرحى سعداء.
أما الخميس فسمى بـ«خميس العدس» وفيه يتم طهى العدس غير المقشور وتلطيخ الجدران والأبواب به حتى يأكله الذباب فى ذلك اليوم ولا يأتى على الدار باقى أيام السنة. أما فى يوم الجمعة فلم نطلق عليها الحزينة، بل سميناها البيضاء أو السعيدة، كما سُميت «جمعة المفروكة» ذلك الطعام اللذيذ الذى كان يُصنع من العجين المخلوط بالسكر والزيت، وكنا نستمتع بطعمها وخاصة عندما كانت تعجن بالسمن البلدى. أما يوم السبت فكان هو يوم التسابق على البيض حيث يوم «تلوين البيض» بالألوان الحمراء والزرقاء والصفراء وغيرها ثم يتسابق الأطفال – والكبار كذلك – نحو اللعب بها ومن يكسر بيضة الآخر ببيضته يأخذها منه أو يأخذ نصفها!!
وهكذا.. إن كان قد اختفى الكثير من تلك العادات حاليا؛ إلا أن بعضها لايزال موجودا عندنا فى الصعيد.
-
الوضع في مصر
-
اصابات
3,144
-
تعافي
732
-
وفيات
239
—————————————-
إذا نال الخبر إعجابكم فشاركه مع اصدقائك لتعم الفائدة ولكى تدعمنا لنستمر
اذا كان لديكم مقترح فلا تنسى ان تتركة لنا فى تعليق
مصدر الخبر