منوعات

يلا خبر | الناقد العراقي رحمن خضير عباس يكتب: فوضى الحياة فى «مدينة.. تأكل أولادها»

اهلا بك عزيزى الزائر فى موقع يلا خبر الآن نقدم لك هذا الخبر من قسم منوعات نرجو ان ينال اعجابك.. والأن مع الخبر
2020-11-24 18:39:43

عن مؤسسة الرحاب الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت. صدر للكاتب المغربى شكيب أريج كتابٌ بعنوان مدينة تأكل أولادها. وقد وُصِفَ المؤلَّف بـ «الكائنات القصصية» وكأنما أُريد من ذلك إعفاء الكاتب عن مهمة التصنيف من الناحية الفنية، وترك ذلك للمتلقى، ليتلمسَ بنفسه هوية العمل وتصنيفه، على أساس السؤال الذي يُلّح على القارئ:

هل (مدينة تأكل أولادها) مجموعة قصص قصيرة خضعت لهذا العنوان؟ أم أنها فصول مجتمعة تكوّن بمجملها رواية تحت هذا الاسم الذي أشرنا إليه؟.

لذلك فحينما تتصفح الكتاب، نقع في حَيْرة التجنيس، بين الرواية أو القصص القصيرة.

وذلك يرجِع إلى الشروط المتعارف عليها في العمل الروائى، الذي يتكوّن عادةً من مجموعة من الفصول، تساهم في نمو الأحداث وتناسقها أو ترابطها. وهذا ما لم نتلمسه في هذا العمل. وذلك لأن قصة (الحلقة) منفصلة عن السياق العام للمجموعة، لها بناؤها القصصى المستقل عن بقية متون النص. وكذلك يمكن القول عن قصة (رجل الجريدة والعمود).

فإذا افترضنا أنها مجموعة قصصية. فينبغى أنّ كل قصة منها تكتفى بذاتها ومضمونها وأبطالها ولا تترك النتائج للقصص الموالية، لذا فمفهوم المجموعة القصصية لم يتوفر في بعض النصوص التي أكمل بعضُها بعضا، من حيث العقدة والشخوص. وكأنها فصول لرواية واحدة. وذلك لنمو الفعل الروائى من فصل لآخر، وإعادة نفس الأسماء مثل عبيقة وعبيروش ومبروك وعلال التنس.

يبدو أنّ هذا العمل الأدبى اعتمد على ترك الأحداث والشخوص تتحرك وتتجول بين متون النص، تحت فضاء مدينة هائلة وقاسية تعتصر أبناءها في لوحات سردية، تقرّبنا من أسلوب (الكولاج) القصصى، والذى يعنى عملية انتزاع بعض الحوادث السردية، والتى يُفترض أن تكون في هذا الفصل/ القصة، ولصقها في قصة أخرى. أو محاولة توزيع المتن القصصى بنصوص مجتزأة، كى تتبعثر الصور الحكائية في مساحة اللوحة. ولكنها تبقى ضمن إطارها العام. وقد شاع أسلوب الكولاج في الفن التشكيلى. واعتبر في وقته نوعا من التجديد للفن الكلاسيكى الذي عرف فترةً من الركود في بداية القرن العشرين.

وكان من رواد الكولاج والتجديد في قواعد بناء اللون الفنان المعروف بيكاسو. ولكن أسلوب الكولاج الذي أدهش المتلقّى وأثرى الفنون التشكيلية، قد لا يكون ملائما للرواية أو القصة، اللهم إلا في حالات معيّنة، يصل فيها الكاتبُ إلى التخمة في الكتابة التقليدية، فيضطر إلى كسر القواعد المعمول بها. وانتهاج أساليب روائية أكثر حداثة.

لكنّ التحرر من السياقات المألوفة، قد يجعل الكاتب في مواجهة مغامرة فنية غير محسوبة النتائج في التجربة الإبداعية.

في قصة الحلقة يتألق الكاتب شكيب أريج. فيصف لنا حلقات الحكواتى. مركّزا على عنصر التشويق لمعرفة السر الذي طرحه في حلقته. والذى يتمثّل في تحويل الحمار إلى حرير، لقد استطاع الحكواتى أنْ يصنع هالةً من التشويق والفضول بين الناس الذين تجمهروا لمعرفة نتيجة هذه المعجزة. ولكنّ صاحب الحمار وضع شروطا لهذا التحوّل المستحيل. هذه الشروط تتمثل بمحاولة تجسيد المدينة، ووصفها وتأمل زواياها وأسرارها، ومعرفة أهلها وطبائعهم.

فيبدأ بالحديث عن الناس الذين يؤمّونَ المدينةَ ويفترشون طرقاتها وأسواقها، للبحث عن العيش والعمل. يتحدث عن بنية المدينة وما تحتويه من مستشفيات بائسة، يتحدث عن شوارعها وأرصفتها وشبابها الذين يعانون من الفراغ والبطالة. يتحدث عن طقوس أهل المدينة في أفراحهم ومناسباتهم، عن وسائل نقلهم ولهوهم، عن طوابيرهم المصلوبة على شبابيك الانتظار في مراكز البريد والمصارف والشرطة والصيدليات. يتحدث عن الأبخرة والسيارات والدراجات الهوائية، عن المتسولين والسكارى والعمال والفلاحين وبائعات الهوى.

وبعد أن يتحدث الحلايقى عن كل زاويةٍ من زوايا المدينة، وعن أغلب مظاهرها. يستخلص نتيجةً مفادها:

«ها هو الحمار صدقوا أو لا تُصدقوا.. صبركم وحده لو تدرون كفيلٌ بتحويله إلى ذهب» وهذا يعنى أن التحوّل، هو أن لا يرى الإنسان الأشياء بعيون غبية، غير قادرة على التحليل والتشخيص، وإنّما بعين الوعى والإدراك.

لقد استطاع الكاتب أنْ يشحن هذه القصة بطاقة هائلة من التشفير اللذيذ، والرموز الثرية التي تمتلك كمّا هائلا من القدرة على إدراك الواقع وتشخيص عاهاته.

واختزل المدينة كلها ككيان اجتماعى واقتصادى في حلقة للفرجة التي يمتزج فيها الجدّ بالهزل، وحيث تتكون المدينة/ الحلقة من زحام بشرى، (يُمغنطه) الفضول والإنصات وانتظار الإعجاز. دون أن تساهم هذه الوجوه المزدحمة والساعية إلى الفرجة المجّانية، الوجوه الخاملة والكسولة، غير القادرة على رفض الخرافة، أو السعى إلى الاحتجاج على منطقها المنحرف. تظلّ هذه الوجوه متلونةً بفداحة جهلها، حتى تجعل من هذا الحكواتى الذي استطاع أن يستقطب فضولهم أن يعلن لهم:

أن عمل المستحيل (تحويل الحمار إلى حرير) يكمن في وعيهم وبصيرتهم وإدراك حجم المخاطر التي تحيط بهم. هذا الوعى والقدرة على التمييز، هو المعجزة الحقيقية.

لقد استخدم الكاتب تقنية قصصية متداخلة ومتشعبة. من حيث ثنائية السرد، الذي يأتى مرّة على لسان الحكواتى ومرّة على لسان السارد، وتداخل الأصوات بينهما، حتى يجد القارئ نفسه أمام رؤيتين لمشهد واحد.

كما نجح في تسخير كل أدواته الكتابية، لينفذ إلى روح الحلقة كتراث حكائى فولكلورى، تمتزج فيه أنواع متناقضة، كتجسيد العبر من التراث. وبثّ الحكمة والموعظة. وتلفيق الحكايات الماضية ومحاولة مسرحتها، وتقديم الطرائف والألغاز والأحاجى التي يمتزج فيها الواقع بالخيال كما تمتزج الحقائق بالأكاذيب، ويستلّ منها جملة من الرؤى والأفكار والمفاهيم والقيم، ليبثها في هذه القصة الجميلة فنيا والثرية فكريا.


—————————————-
إذا نال الخبر إعجابكم فشاركه مع اصدقائك لتعم الفائدة ولكى تدعمنا لنستمر
اذا كان لديكم مقترح فلا تنسى ان تتركة لنا فى تعليق

مصدر الخبر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عطل الاضافة حتى تتمكن من متابعة القراءة