منوعات

يلا خبر | الشاعر والتشكيلي الأردنى محمد العامري: أحاول اصطياد القصيدة فى اللوحة واصطياد اللوحة فى القصيدة

اهلا بك عزيزى الزائر فى موقع يلا خبر الآن نقدم لك هذا الخبر من قسم منوعات نرجو ان ينال اعجابك.. والأن مع الخبر
2020-07-24 03:38:57

اشترك لتصلك أهم الأخبار

استطاع الشاعر والفنان التشكيلى الأردنى محمد العامرى أن يزاوج بين طاقة الشعر وسحر الفن فى أعماله الشعرية التى تنطلق من سحر الطبيعة ووحيها البكر، وفى أعماله التشكيلية التى تحتفى بالطاقة اللونية، باعتبارها مصدرا للرؤى والمشاعر الفياضة، وخلال أعماله الشعرية، وآخرها «أحلم بالرصيف»، الحاصل على جائزة «مرويات الفيروس»، يقوم بتطويع اللغة بطريقة معينة ليخلق حالة سردية مختلفة قريبة من التداعى الصوفى والواقعية السحرية.

وفى سيرته الذاتية «شجرة الليف» يخوض تجربة سردية مغايرة روحيا وتقنيا، ولكن تبقى أعماله التشكيليةـ وهو نقيب سابق للتشكيليين الأردنيين- علامة مميزة فى مشواره الإبداعى. كما جاءت مؤسسة عرزال، التى أسسها مع آخرين، كفكرة جديدة للتفرغ للإبداع بكل مستوياته فى مزرعة هادئة. بعيدة عن صخب المدينة ولهاثها المحموم.

خلال هذا الحوار نتعرف على جائزة مرويات الفيروس وأعمال محمد العامرى ومنطلقاته، فهو مبدع فى الشعر والرسم على السواء.

■ حصولك مؤخرا على جائزة كل مر سيمر «مرويات الفيروس» عن وزارة الثقافة الأردنية، هل يمكن اعتبارها تتويجا لحالة شعرية وإبداعية استطاعت أن ترصد عمق الأثر النفسى لأزمة وباء كورونا؟

– لقد كان للمعتزل الصحى الأثر الأكبر فى التفاعل الإبداعى بين الحالة النفسية وطبيعة النص الذى أنجزته، حيث تتحرك الأشياء ببطء شديد كأنك تكتب تحت وطأة سياط زمن ثقيل، سياط قسوة الوقت وتداعياته الجسدية والنفسية، وهى تجربة تتمثل فى اختبار المريد الصوفى للارتفاع إلى مرتبة أعلى فى تحمل الألم وتحويله إلى تاريخ جديد يؤثث أيامنا بصور ربما سندرسها فيما بعد.

فقد كان للشعر الأثر الأكبر فى ملء إناء الحالة بحبات الضوء، الضوء الذى كان يضىء عتمة الواقع فى المعتزل، كما لو أننى فى حالة فردوسية مشوبة بألم اللذاذة الغامضة، فكانت خزانتى مثلا مدار تساؤل جديد، فلم أنتبه إلا فى حالة الحجر الصحى فقلت مثلاً:

«دلفت لخزانتى أُفتّش فيها عن بقايا نوم فاتنى، وجدت قمصانًا وروائحَ لمدن سافرت إليها القمصان، كانت تلك الأحذية النائمة فى بطن الخزانة تئنُّ من قلّة المشى، فكانت الجائزة نتيجة لم أكن أطمح إليها بقدر ما كنت صادقا فى التعبير عن حالة إنسان تعود الحركة الحرة ليصبح مثقلا بقيود غامضة لا يمكن تجاوزها.

■ الطبيعة عنصر أساسى ومركزى فى أعمالك الابداعية. كيف تصف المخزون الجمالى للطبيعة الذى احتفظت به من الطفولة ومازال منبعا للإبداع فى داخلك حتى الآن؟

– أنا ابن التراب الذى تعطّر بعشبه، أتتبع مشمومات أديم الأرض كى أستعيد كينونتى، فكتبت شجرة الليف التى تبث رائحة المكان فى الكتابة، لقد لعبت بالطين وكمى نهر الأردن وشممت عطر العشب فى الفجر ورائحة الليمون فى مزارعنا، لم تزل الطبيعة هى الملهم الأكبر فى حياتى الإبداعية، سواء فى الكتابة أو فى الرسم والتلوين.

إنها الحالة العرفانية العالية فى النظر إلى جوانية الأشياء وحيويتها، فالألوان والأشكال ما هى إلا وسيط بصرى يتحقق على السطح التصويرى، لنقل ما تيسر من الحالة الصوفية فى الرؤيا إلى مُشاهد جديد يحدّق فى روحك الماكثة فى مربع اللوحة، يكشف عشقك عبر رصد علامات اللوحة كجغرافيا ترحل بك إلى عتماتها ونورها الخافت والساطع، ويكشف مسارات خطوط يدك فى اللوحة، عنفها ورضاها، نعومتها وقوتها الكامنة فى مكوناتها الجمالية.

قراءات تراكمية لتاريخ روحك على الجدار، دهشة مناكفة تكشف عبرها خساراتك فى الحياة وتجلياتك العالية، طبيعة تدعوك للعشق الجوانى، وتثير فيك أمداء لا حدود لها، هى الأول والآخر والمطلق الذى لا ينضب.

■ بين الشعر والرسم.. هل هى الحالة الشعورية أو المزاج النفسى هو الذى يوجهك لنوع الإبداع، سواء كان شعرا أو رسما، أم هو نوع من التلقائية النابعة من الوحى والإلهام؟

– كيف لى أن أكتب الشعر دون قراءة لونه ولون دلالات الجمل التى تنطلق بين السطور كحصان جامح، حيوية لا يمكن اللحاق بها إلا فى الحلم إن أمكن.

كنت أذهب إلى المواربة بين بكاءين، أحاول أن أجد مخرجا لتحبير هذه اللحظة فى لغة الشكل واللون والفراغ والاكتظاظ والمبادلة بين لون وآخر، بين نقطة ونقطة، بين خط متعرج ومستقيم. الشعر يكره الخط المستقيم، وكذلك الرسم، لذلك سموه: الخط اليابس.

وأذكر هنا قول أبو اليزيد البسطامى «إن المعنى جناح لجسد الصورة»

فكل شىء يبدأ بــالــصور التى لا تعرفها، بالصور المكتشفة، بصور تكشط عنها الغبار لتلمِّع مراياك. أنا من وجد الصور المختبئة فى البعيد، القريبة من عيون العميان، العيون الأمِّية التى تمرق عن الصور دون أن تراها، كل إشراقاتى مشفوعة بالعشق الصافى، لا أرتجى غبطة من أحد، فأنا أهل الغبطة وخزان الحبور.

■ الفن وجمالياته والولع بالتجريد والموسيقى اللونية التى تتميز بها أعمالك، هل هو نوع من التخليق الشعرى فى الفن التشكيلى؟

– فى غالب الأحيان لا أفصل بين إيقاع القصيدة وإيقاع اللوحة، فالكون قائم على الإيقاع الذى يربط جميع الموجودات ببعضها، وأنا أؤمن تماما بقوة النبع الإبداع البعيد الذى يصل إلى أرواعنا بأشكال عديدة، لكنه من نفس المنبع، فحين تنفجر عيون الماء من بطن الأرض لم يكن ذلك الانفجار إلا صورة من صور الإيقاع الذى حوصر ليعبر عن مجازات كامنة فى الماء.

ففى رائحة اللغة أتنقل بين خزامى وغاردينيا، بين لهاث متعب واستكانة مطمئنة، بين نهر مخضر وبين استطالة ظل قريب، بين جذل الليمون وتساقط الظل عن الورقة، بين فراشة سوداء وأخرى مبقعة بالضوء، بين لون رشيق وآخر يرسو فى القاع، كما لو أننى بين تناقضين، الممكن الحاضر والمستحيل الغائب بأثر المسافة، والمتنقل بخفة الذعر من معلوم قليل وغيب كثرته قاسية، كالمار بين شعائر لا يعرفها، أتمتم وأنأى عن الإصغاء لأدخل فى صحوة الشكل ولغات متفرعة تصطادنى بين لون اللغة ولغة اللون، كقمرة لا يمر بها الحجل وفراغ أدرد لا زغب فيه، إنها المحاولة اليائسة لاصطياد القصيدة فى اللوحة واصطياد اللوحة فى القصيدة. إنه الحلم بين سماءين: سماء من اللون، وسماء من اللغة.

■ تجربتك فى الدمج بين الشعر والرسم والقيام بمعارض مشتركة فى هذا الصدد مع الشاعرين الراحلين محمود درويش وأمجد ناصر وغيرهما كيف تصفها؟ وما مدى نجاحها وإمكانية استمرارها؟

– هواجسى لا تنتهى فى اختبار الأشياء، ولا أقف عند حدود الكلاسيكية فى التعامل مع الفعل الإبداعى، فكانت تجربتى مع الصديق محمود درويش هى محض اختبار لحساسية كتابه أثر الفراشة وما يدلقه على ورق الرسم من شفافية اللون، وفى زيارة لى لبيت درويش قال لى: لا أحب الرسم إلا المرسوم على الورق، فهو لا يرغب فى احتكاك قصيدته بالقماش، يريد لها أن ترسم وتكتب على الورق، فكانت تجربة مثيرة فيها الكثير من الغبطة.

فى هذه التجربة تمسكت بشكل غير اعتيادى بالماء ودفقه على الورقة.

حيث رحت أراقب انتشارات الماء ومعادلاتها الغريبة بين كثافة اللون ورشاقة الماء. ذكرنى ذلك بزمن كنا نصب فيه الحليب فى كأس الشاى.. تلك الإيقاعات عادت ثانية. بين الأزرق السماوى وبين صفاء الماء على بياض الورقة أترك كل ذلك لمتعة المراقبة وتحريك الماء على سطح الورقة. كان الماء قاربا وأنا النهر، نهر واسع وأحلام تقودنى نحو عبثية العمر ووهم الخلود. إنها حقيقة ما تتمثل أمامك فى لحظة العشق، ثم تغادرك وتتركك كحجر مهجور فى برية لم يطأها أحد، فمن شدة الوحشة تغيم عليك الأشياء، وكنت أشعر بارتباك الراحل إلى عوالم لا أدركها، هى مسافة بين التذكر والنسيان، مسافة بين حبل الغسيل والملاقط، مسافة بين الشهقة والبكاء، مسافة بين ضياع الشكل وحضوره، بين الفوز والإحباط، مسافة بين لونى الدم والحليب، مسافة بين الظل والضوء.

مسافات لا يمكن القبض عليها بعبقرية السؤال الكبير.

هكذا كنت فى اللوحة ناقصا وممتلئا بالهواجس وسؤال الفكرة.

■ فى تجربتك الشخصية وطوال مشوارك.. هل الشعر يقود الفن أم أن الفن هو الذى يقود الشعر؟.. أيهما أكثر سيطرة عليك والأقرب إلى روحك؟

– جناحان يجعلانى أمكث فى الفكرة العالية، طيران لا يدركه أحد سوى من جرّب لذة عين الطائر وهى تنظر من علٍ على الكائنات وجمالياتها.

ضلعان من خشب الصندل المعطر يرويان حساسية العين والمخيلة، فلا انفصال بينهما، لكننا نعانى بالحقيقة من فكرة المغامرة فى الأشكال الإبداعية، مما يجعل الكائن العربى وريثا لسلالة مليئة بالقيود، الإبداع بكل أشكاله حياة كاملة والحياة لا تكتمل إلا بثنائية الكون كى نطير إلى اختلافات الإيقاع وتجاليات الأرضى والسماوى فيه.

قال تعالى فى كتابه الكريم: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) سورة الرحمن، وقال جلال الدين الرومى: «ما من صورة – حتى الأبد – يشرق لها خيال إلا من القلب، سواء أكان هذا الخيال متعددا أو واحدا».

وهنا ينتفى الحاجز الدلالى بين الصورة والكتابة، فكلاهما صورة، غير أن الصورة فى المكتوب تتخذ مناخا مجردا أكثر من الرسم المجسم، فالمكتوب يتغذى على دلالة الصورة من خلال العناصر التى تتكون منها الكتابة.

يقول أبو اليزيد البسطامى: «لقد أوتيتم بعلومكم رسما عن رسم وميتا عن ميت، أما نحن فنأتى به من الحى الذى لا يموت»، والإشارة هنا إلى الكتابة بوصفها رسما.

■ قدمت تجارب روائية وكتابة سردية وسيرة ذاتية فى كتابك «شجرة الليف»، إلى أى مدى تعبر تلك السيرة عن التجارب المتنوعة التى خضتها وشكلت مساراتك الإبداعية؟

– أنا أنتصر للحالة الإبداعية بغض النظر عن الشكل الإبداعى الذى أرتكبه، لكننى أخلص كثيرا فى أى مشرب أختار، فالكتابة عبادة، وفعل مقدس علينا أن نحترمه بقدر احترامنا للنص المقدس الذى ننتمى إليه، فطفولتى غنية جدا كانت تهجم علىّ الصور والسرديات التى كنت أسمعها فى مضافة جدى إبراهيم المنيزل، كان السرد هناك بمثابة مشهدية متلفزة، من حيث تجسيد الوقائع المدعومة بإشارات الأيدى وطبقة الصوت، فكان كتاب شجرة الليف الذى شكل متعة لا توصف فى استردادى لمرابع الطفولة، وجاء بعدها كتاب آخر على شكل رواية هو «شباك أم على» والرواية صورة أخرى من تاريخ المهجرين من فلسطين عبر مذكراتهم وحياتهم الأولى، إنها الرواية التى تتقمص الأحلام الخاسرة.

■ مؤسسة عرزال الثقافية.. ما الدور الذى تقوم به وكيف تساهم فى نشر الفنون والثقافة فى المجتمع الأردنى؟

– لقد آثرت أنا وإخوانى أن نؤسس مؤسسة ثقافية تشتمل على إقامات إبداعية ومرافق تختص فى التفرغ الإبداعى «للكتابة والرسم والموسيقى» فى الأغوار الشمالية المحرومة من هذا الفعل، فلم تكن العاصمة بحساباتنا، بل كانت القرية هى بطل الفكرة، فهى المادة البكر لزراعة الإبداع، يهدف المشروع إلى رعاية المواهب الإبداعية وتحفيز الكتاب على التفاعل مع المكان فى الكتابة والرسم، حيث قدمنا مجموعة من الأمسيات الموسيقية والشعرية فى أجواء سحرية بكون مبنى عرزال فى مزرعة كبيرة بجوار نهر الأردن.

كما أقمنا ندوات وملتقيات فنية بمشاركات أردنية وعربية.

  • الوضع في مصر

  • اصابات

    89,745

  • تعافي

    30,075

  • وفيات

    4,440


—————————————-
إذا نال الخبر إعجابكم فشاركه مع اصدقائك لتعم الفائدة ولكى تدعمنا لنستمر
اذا كان لديكم مقترح فلا تنسى ان تتركة لنا فى تعليق

مصدر الخبر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عطل الاضافة حتى تتمكن من متابعة القراءة