اهلا بك عزيزى الزائر فى موقع يلا خبر الآن نقدم لك هذا الخبر الخاص بدولة مصر نرجو ان ينال اعجابك.. والأن مع الخبر
2021-05-24 18:54:37
اشترك لتصلك أهم الأخبار
«كيف أضعت عليها الليلة، كان يمكن أن تهاتف غيري، رجلا يمنحها المال والجنس، وتقضي ليلة بدلا من السفر مساء، لم أر امرأة بهذا الحظ السيء من قبل، كل ذنبها أن يدها خانتها للاتصال بشخص لا يجيد شيئا سوى الهروب، البكاء، البحث عن الذكرى والحنين، والفشل يحاصره في أي مكان يذهب إليه»..
مفتتح يليق بشاعر، قد ترى أن الكلمات أغوته فهوى، متخذا من القبلات على قارعة الطريق، وفي مصاعد المباني القديمة وسط القاهرة، وفي زوايا «الجريون»، و«هابي سيتي» مسرحًا لمغامراته التي لم ولن تنتهي، غير أن قراءة متآنية لإبداعه، ستحيلك إلى واقعية سحرية، على خطى بورخيس، وكافكا، وأستورياس، ولورا اسكيفيل، وماركيز، وإيزابيل الليندي، معرجًا على لعبة المكاشفة والاعتراف، وعبر كتابة إبداعية، هي أقرب للشعر، واقعًا ــــــــ ربما دون تعمد ـــــــــــ في أثر محمد شكري، ورائعته «الخبز الحافي»، إحدى أصدق السير الذاتية، في أدبنا العربي على الإطلاق.
يعترف محمد البرمي، في مجموعته القصصية، «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق»، الصادرة مؤخرا ضمن سلسلة «إبداعات» التابعة لهيئة قصور الثقافة، بأنه يعبدالله حين يكون قويا، ويهرب منه حين يكون ضعيفا، مكتفيا بنفسه، فـ«لا عبادة تلك التي تقوم على ضعف»، كما أنه لا يخاف الموت، لكنه يطمع في البقاء قدر الإمكان على قيد الحياة، ولو جاءه ربما يعقد معه صفقة ليتركه إلى الغد، يقضي ليلة سعيدة مع فاتنة سمراء وزجاجة نبيذ أحمر، ثم يعوده، وما زال على موقفه متمسكا بالحياة فيرحل.
يقول البرمي: «جربت كل أنواع المشاعر، نلت الكثير من القٌبل، لكن قبلتها وحدها تركت أثرا غريبا في نفسي، ما زال آثار شفتيها إلى يومنا، رائحتها لم تفارق أنفي، كل القٌبل التي نلتها لم تكن أبدا كقبلتها..كل القٌبل تشبه الماء المالح، لم تترك أثرا بداخلي»
هي، إذن، كتابة سيرية أو شبه سيرية تقوم على مزيج جريء من وصف تجارب التشرّد وخرق المحظورات في مجتمع يتوهّم الطهرانية والنقاء، فإذا كان «شكري»، هو أول من خدش ذلك السطح الخادع الذي يختبيء خلفه مجتمع منهمك في اقتراف خطايا أخلاقية جسيمة، وفضح هشاشته، جاء محمد البرمي، وعبر نزعة اعترافية جريئة، ليستفزّ مجتمعا أنكر على نفسه كلّ خطأ في حياته، جاعلا من القاهرة، وأسطح مبانيها، وشوارعها المفعمة بالتاريخ والأسرار، فضاء حرّا تتحرك فيه شخصياته، مكتفيا بتمثيل العالم السفلي للمدينة، بارعا في تصوير أحوال المهمّشين فيها، هؤلاء الذين عاشوا وماتوا، على أطراف الحلم، بصحبة آخرين مارسوا نزواتهم، دونما قيد أو شرط، في نهم لا يشبع، جاعلين من المدينة مسرحا وماخورا كبيرا لهم.
وأدب الاعتراف، هنا، هو محطّ شبهة وموضوع ارتياب؛ لأنّ الجمهور، حسب الناقد والكاتب العراقي، الدكتور عبدالله إبراهيم، لم يتمرّس في قبول الحقائق السرديّة والواقعيّة، فيرى في جرأة الكاتب على كشف المستور سلوكًا غير مقبول، وإفراطًا في فضح المسكوت عليه، فالاعتراف مشوب بالحذر في مجتمعات تتخيّل أنّها بلا أخطاء، وتتحاشى ذكر عيوبها، فثمّة إحجام عن التركيز على البعد الجوّانيّ للشخصيّات، حيث تقبع المادّة الأكثر أهميّة في أدب الاعتراف، وقد نهلت الآداب السرديّة العالميّة من هذه المنطقة شبه المحرّمة، وبيّنت موقع الكاتب في مجتمعه وهُويّته ورؤيته للعالم.
وما بين غياب آبق، وحضور خجل، ومن صحبة التائهين والأوغاد وقطاع الطرق، إلى العاشقين الثائرين، يجتمعون على نهد امراة وحيدة، يدرك محمد البرمي، أن «الغياب يجعلنا أكثر هشاشة وحقيقيين بما يكفي، فنفشل في التمثيل أننا بخير»، كما يؤمن، بأنه نبي تاه، فقد رسالته، ضل فأضل، تناساه الناس في صحراء لم يجد بها من يبني له مقاما بعد الموت، كما لم يكن له مأوى في الحياة، ولم يعد يتذكره أحد، يهرب من عشق يقض مضاجعه، يبدو أن «للفارين من الحب رائحة مميزة يعرفها الجميع، فصارت حكاية دون أن تروى»
ومن بوابة «الكوميديا السوداء»، يلج صاحب المجموعة القصصية، «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق»، حاملا، أسفل رماد القلب، نيرانا مشتعلة، يستمع، ــــــ على غير رغبة منه ـــــــ، إلى حكايات امرأة عابرة، تروي تفاصيل حياتها، تؤذي نفسها ببراعة كما آذى نفسه ببراعة، حين سمح لنفسه أن يستمع لحكاياتها وفي قلبه حب لها..
على عكسه تمامًا، «تسخر من كل شيء وأي شىء، ومن رومانسيتي التي تراها مبالغا فيها، أفسر لها بأني أحب الحب بمشاعره وأحب أن أظهر حبي وأقدم كل ما أريد، بينما تخبرني هي بأنها بخيلة في مشاعرها»
وللبرمي، ظلال من روحه في كل شخوص مجموعته القصصية، ربما لم يغير هذا الخطاب السردي، إلا في قصة «نصف سرير وحب كامل»، عندما جاء السارد العليم، بلسان الأنثي، لمرة واحدة فقط، طوال قصص المجموعة كلها، غير أن تلك الأنثى، كان لها من إنكسارات المؤلف، وبحثه الدائم عن الحب.. تقول، صاحبة البرمي: «لكنني ورغم كل أسئلتي وسخريتي وصراعي مع نفسي، لم أكن أملك إلا الاقتراب منه، يملك حنانا حرمت منه طوال حياتي، كل الرجال تركوا آثارا سلبية لدي، لكنني لا أمل من تكرار الأمر، فبعض اللذة تحتاج لتضحية.. حاولت أن أعرف ما الذي به، ما الذي حدث، لا شيء يقوله، لكن عينيه تقول الكثير..»
ثمة ملاحظات، يمكن قبولها بتساؤل المعاتبين بود.. تصل حد التساؤل، كيف تبدل فجأة ضمير المتكلم، إلى ضمير الغائب دونما وقف أو تمهيد.. يقول: «لم يجد ما يمكن أن يجيب به، أنا لا شيء، قال ثم أكمل حديثه: أعمل بشركة كمبيوتر، وأعيش وحيدا، يقضي فترات يومه بين العمل في منطقة وسط البلد وبين البيت، لا يفضل الشرب لكنه يفضل الجنس».. لاحظ الانتقال بين الأفعال «أعمل.. أعيش.. يقضي يفضل..»
في موضع آخر، وعبر قصة «موت آلي»، يلجأ المؤلف لتقنية، أقرب لـ«كسر الإيهام»، عندما قال «أمي ظنت أن أخوتي قد ينهارون إن رأوني على ذلك الحال، نفذت وصيتها بإتقان، وإلى يومنا أعتقد بأنني أستحق عليه الأوسكار، لم تنزل دمعة من عيني، تماسكت ربما أكثر من اللازم».. هل لو حذفت كلمة «الأوسكار»، كنا سنخسر كثيرا؟.. لا أعتقد.
خلاصة التجربة الشعورية عند محمد البرمي، أن الحب لا يتطلب وعدا للبقاء بقدر ما يحتاج إلى الصدق، لا يتطلب الحب أيضًا فرض قيود على من تحب ليبقى، يقوى الحب بالحرية، بأن يحصل كل منا على حريته في البقاء أو الرحيل، فإن بقى بإرادة يكون حبا. «لم يمنع أحدا من الخروج من حياته، ولم يطلب أحد الدخول، وربما هذه الفلسفة كانت سببا في تعاسته وأن يكون وحيدا»..
ثمة ثلاثة سطور، تضع صاحب الحكايات بين ثناياها، وتضعنا معه في إطار الصورة، نعيد معه حكاية تتكرر، غير أن ألف شعور وشعور، يختلف ويتنوع باختلاف مشاربنا، ليبقى هو المعبر عنا بالكلمات، فيقول: «لسنوات طويلة قاومت إحساس ابن القرية الذي عاش في نطاق ضيق يعرفه الجميع، يعرف الجميع، حين ينتقل إلى القاهرة بأضوائها وزحامها القادر على جعلك تتلاشى تماما، القاهرة التي تذيبك فيها خاصة وأنني كنت وحيدا تماما، بكل إرادتي ذبت فيها، انصهرت تماما، لكن الخوف أن أموت وحيدا لم يتركني»
—————————————-
إذا نال الخبر إعجابكم فشاركة مع اصدقائك لتعم الفائدة ولكى تدعمنا لنستمر
اذا كان لديكم مقترح اتركه لنا فى تعليق
مصدر الخبر